الجمعة، 2 أغسطس 2013

سلسلة قصصية ...(4)

الوزير الكبير جمال،
أنا،الآن في محل لن تصدق بإني فيه. في مرحلة اللا عمل. عاطل منذ الشهادة، جمال. ولكن لا زال الأمل موجود في داخلي. ولا زالت القضية العربية نبراس فكري، والوطنية نداي ومناي، وإن كان العمل الآن يعتمد على التزكية بدل الكفاءة فتباً لهذا المعتقد وتبا لمن عمل به. أخاف أن أكون قد أزعجتك بشغفي السياسي، ولكني أجد في حقيقة مناقشاتنا الطويلة وجدالاتنا الأطول معك ورفاق الخوالي ما يعينني على الإسترسال في الأمر. والحق أني اشتقت لها من محادثات. والحق أني اشتقت لمحاوري الشيء الكثير أيضا. ودي وسلامي لك صديقي. أن نكون معا أشبه بالحلم الآن. ولا أريد التمسك بالأحلام، فقط الأهداف.
المخلص لك،
كريم عبد السلام.

خمسة من الرفاق هم إذن، حدثت زهرة نفسها. ماذا علي أن أفعل الآن؟ ما هي الخطوة التالية في بحثي الإستكشافي الأمتع بعشرات المرات من أية مستلزمات لحصة الأحياء؟. تذكرت زهرة أن ما زال عليها أن تعمل على البحث، رمقت الكتب التي أعطتها إياها سمر بنظره، تنهدت، ثم تقدمت لإنجاز المهمه المطلوبة -من قراءة، إستخلاص فكتابة – بسرعة.

إنتهت من المهمة ظهرا بعد أن أرسلت المسودة الأولى التي كتبتها للبريد الإلكتروني لسمر وطلبت منها أن تضيف إليها ثمرات جهدها، ثم عليهما أن يلتقيا مرة أخرى لإكمال الباقي.
المهم الآن هو الإستغراق في تفكير غير منقطع.  أولا، ماذا تعرف ثم ماذا تريد أن تعرف..
الخمسة من الرفاق عاشوا معا في بلاد لم يذكرها أي منهم في مراسلاتهم، في "الغربة". وكأنها ما يلمح إليه شاعر في قصيدة قد فاض محلّلوها ولم تبقى فيها من خافية أو عثرة تسد فهم القارئ المعاصر، كالقصد من وراء رموزها، يجب أن تعرف المكان.
أصدقاء منذ الطفولة؟ هي تعرف أن جدها قد سافر لإكمال دراسته وهو في الرابعة عشرة من عمره.
فيالها من صداقة قديمة إن كان لقاهم سريعا كما يتوقع المرء من ظاهر وفاق وثيق.
ربما هنالك شيئا غير الرسائل؟ بطاقات بريدية أو صور..صور. وجدتها!
"رائع، رائع، رائع" ثم تكمل المراهقة:"جميل أن يجد الباحث خيطا من أمل"

بعد العصر، زهرة تذهب إلى غرفة جدها لتبحث في ألبومات الصور القديمة الخاصة بعائلة آل مازن، تفعل ذلك وهي تعلم في قرارة نفسها كم هو مشين أن يجدها أحد وهي تفتش في أغراض جدها، مارة مرور الكرام.  تجهت إلى منضدة صغيرة موجودة في أحد أركان الغرفة، فتحت درج المنضدة لتجد ضالتها. في الحقيقة جدها بحوزته ثلاثة من ألبومات الصور، اثنان قد رأتهما سابقا يحويان صور أولاد جدها وأولادهم. الألبوم الثالث لم تره من قبل مما جعلها تبدأ في تصفح صوره.
صور جدها وهو في شبابه. صور جدها في بلاد الغربة، أوروبية بدا لزهرة. صور..أشخاص آخرين.


"كيف أعرف من هم من هؤلاء؟" همست زهرة. العائق الآن هو ربط اسماء رفاق جدها في الرسائل بصور الغرباء، مظهرهم اليافع في الصور يدلها على تقارب أعمارهم مع جدها في ذاك الوقت. لا بد أنهم رفاقه. 

الجمعة، 19 يوليو 2013

سلسلة قصصية..."3"

ودعت زهرة سمر في حوالي الرابعة. لم يبقى الآن في هذا البيت الخالي إلا هي. هي وتفكيرها المستمر عن بحث الأحياء المقيت والمكتبة السرية وعن تلك الأوراق التي وجدتها بها. لم تفتحها بعد فقط خبأتها تحت وسادة سريرها. لا تعرف لماذا تأخذ تلك الأوراق جزءا كبيرا من إهتمامها. قامت زهرة من الشرفة التي احتلت مكانا فيها وهي تودع رفيقتها واتجهت إلى الأعلى. صعدت السلالم إلى حيث تقع غرفتها وقفزت لسريرها. ستنهي تسآؤلاتها الأن، قررت. أخرجت الأوراق من تحت الوسادة ثم نظرت بعمق إليها بعد أن جلست ورجليها في إتجاهان متعاكسان. "لماذا خُبئتي في ذلك الكتاب؟". بدأت زهرة في القراءة.

عزيزي جمال،
كيف أصبحت وأمسيت؟ أهديك سلامي ومحبتي. مر زمن يبدو كدهر منذ أن تحاكينا لآخر مرة. اليوم أنا طيار من الدرجة الأولى أجوب العالم. زرت الكثير من البقاع في هذا العالم صديقي ولا زلت أحن إلى أيام شبابي الأول، إلى لقاءاتنا وسهراتنا، مقالبنا ومواقفنا.. إلى كل شيء جمال. سمعت بأنك رزقت طفلا، مبارك لك. لا زلتُ متزوجا يا صديقي بدون أولاد. لم أسمع الكثير عن رفاقنا الآخرين. كلٌ قاد طريقا له في هذه الحياة، ولكني أذكر آخر خبر سمعته عن صديقنا قادر. لقد اتجه ليكمل الدكتوراه في الولايات المتحده.
أحب لو كان لدي أكثر من ما كتبته لأشاركك به، ولكن أنت تعلم كما أعلم أنا، أن المسافات بيننا تجعل الأخبار شحيحة. لا تتردد في الرد عليّ.
رفيق الطفولة،
جوزيف كرم.

بعد أن أنهت زهرة قراءة الرسالة بقت قليلا في شيء من الحيرة. "من يكون جوزيف هذا؟" قالت في نفسها. سارت أفكار زهرة إلى مكان بعيد، إلى حيث تتذكر مائدة الطعام الضخمة مليئة بصنوف الطعام والشراب، يلتف حولها كل أفراد عائلة جدها..وجدها في رأس المائدة يحكي أحيانا عن حياته الماضيه، عن طفولته ودراساته في الخارج، كيف كافح من أجل التعليم الذي لم يجده في موطنه، وهو يصف الشعور بالغربة. تحدث عن الحياة هناك عن الناس وأطباعهم، عن الجو والطعام. لم يذكر مرة إسم جوزيف على مائدة الطعام. في الحقيقة، لم يكن يذكر أن له رفاق أبدا.
تواصل زهرة التدقيق بشأن الرسائل، تتساءل ..لماذا لا يذكرهم أبدا؟ ثم تضع رأسها على مخدتها وتغلق عينيها وهي تأخذ نفسا عميق. لا تعرف الكثير عن الكثير من الأشياء، لكنها تعرف بأن هناك شهوة تحس بها للوصول إلى حقيقة أمر الرسائل. إلى حياة جدها في الخارج، ورفاقه الذي يبدو أن الصلات بينهم قد انقطعت منذ عهد طويل. تتفكر في حميمية الرسالة التي أرسلها المدعو جوزيف. تهمس: لا بد أنهم كانوا أعز الرفاق في يوم ما. ثم يعود التسآؤل إلى ذهنها. هل سيخبرها جدها شيئا عن ماضيه الذي أثار فضولها الآن؟
ربما،سيحزن فهو لم يعهدها متطفلة. تردد في ذهنها: لا،لا،لا. لن يغضب، جدي شخص عقلاني لا تنتابه نوبات العواطف عندما يكون بإستطاعته توضيح قوله في موضوع لا يخصني كهذا بمسؤولية الراشد الحكيم، الذي يكون هو. ثم تكمل في الإقرار لنفسها: وأعرف أنني سأبحث عن باقي الرسائل. لا يمكن أن تكون هذه الرسالة الوحيدة من ابن كرم. ماذا عن رفاقه الأخرين، ألم يراسلوا جدي كذلك؟ لا بد أن تلك الرسائل مخبأة في ثنايا كتب تلك المكتبة، ولا بد أن أجدها.

الساعة السادسة. زهرة تعرف بأن والديها سيأتيان في أي لحظة الآن وتعرف أيضا بأنها لن تستطيع التحرك بحرية في هذا المنزل من دون أية استعلامات عن مكان تواجدها. يجب أن تنتظر حتى يكون المنزل خاليا مرة أخرى.  
وكما توقعت زهرة وصل والداها بعد 15 دقيقة. رائع،فكرت زهرة.
في صباح اليوم التالي لم يكن بإمكانها الإنتظار لحظة أخرى ستذهب إلى تلك المكتبة ولو زحفا. الفضول يقتلها. مع هدوء الفجر خطت خطوات ساكنه نحو المكتبه. ما عليها الآن سوى أن تبحث في كل تفاصيل هذه المكتبه. تمتمت: "ها نحن نسير". بدأت بالبحث في نفس المكان الذي وجدت فيه الرسالة الأولى. بعد ساعة ونصف لم تجد شيئا البتة. "آه، ماذا الآن؟" جلست في الأرضية المبلطة مع قليل من الإحباط. ثم حصل شيء غريب، وهي جالسه انتقل نظرها إلى مجموعة كتب دراسية لاحظتها من قبل لكنها لم تعريها انتباها.
لم تضيع أية لحضة قبل أن تفتش دواخل كتب الدراسة تلك.
ستة رسائل. وجدت ستة رسائل في صفحات تلك الكتب. تنهدت تنهيدة طويلة "وأخيرا" .
قررت زهرة بأن حصيلة اليوم من الإكتشافات في أرض المغامرات المعروفة أيضا بالمكتبة السرية كافية للآن.
أخذت الأوراق إلى غرفتها للأعلى وباشرت في القراءة.

عزيزي جمال،
السلام عليكم ورحمة الله وبركاته، كيف حالك أخي؟ انقطعت سبل الوصول إلى لقاكم وما زلنا لمعزتكم نحاول إيجاد الوصال. الحمدلله أطمح لوظيفة محمامي، وأنا والمحاماة قضية شقاء بعدها ود طرفي إن شاء الله. بين يوم ويوم أرى نفسي، أخي، بين خيالات أيامنا السابقه. أشتقت لمجالسنا وأحاديثنا. يا ليت الشباب يعود يوما. في شيبنا طبعا، جمال. لا زلت أذكر مناشباتنا في السياسة. لا زلت أذكر اتفاقاتنا السرية كذلك. أرجو أن تسامحني على انقطاعي الطويل والله عليم برغبتي في سد الفجوة الفاصلة بيننا من زمان ومكان.
أخيك،
سعيد القصبي

عزيزي جميل،
لا أحب وصفك إلا بجميل، لطالما كررت لك يوم ما كنا نعيش معا أني أفظل اسم جميل. أنا بخير برشا برشا واتمنى شعورك بالمثل أيضا. اليوم رفيقي قرأت الأدب الفرنسي ووجدته كالعسل يذوب في اللسان. لا يضاهي أدبنا العربي ولكني أتقبل الإطلاع على ما هو مختلف. لما لا؟ أنا مختلف. اعذر وقاحتي جميل، ها أنا أملي الصفحات أخبار حياتي. لا تلمني، جزءا مني باقي في بلاد الغربة. في نزهاتنا والمشي في تلال لا نهائية. وفي وجوه أصحابنا. أتمنى أن نبقى في تواصل طيب. الكلمات المكتوبة مشكلة بالنسبة لي جميل. كلنا نحب الإختصار في مراسلاتنا واللغو في كلامنا، لم تنسى هذا ها؟
مع إخلاصي،
قادر.



"هل يجدر بي المتابعة الآن؟" زهرة تقول في نفسها. " لما لا؟"

السبت، 13 يوليو 2013

سلسلة قصصية..."2"


في غرفتها، زهرة أعلنت لصديقتها عن عدم وجود أية كتب تخص بحثهم الأحيائي، الذي يبدو الآن مقيتا العمل فيه. زهرة تريد أن تصرف وقتها في مطالعة الكتب المرصوفة في مكتبة جدها السرية.
زهرة: سمر، ألم تجدي شيئا على الإنترنت عن...
سمر: آثر النواقل العصبية على السلوك الواعي لدى الإنسان.
زهرة: آه نعم، ما قلته.
سمر: وجدت ما نعلمه مسبقا من حصة الأحياء. بالكاد وجدت أية معلومات جديدة تفيدنا. هاك أنظري
أخذت زهرة مكانا بجانب سمر لترى حصيلة بحثهما حتى الآن. أدركت بعد قراءته أن هذا المشروع سيستنفد كل قواهما البحثيه.  بعد تنهيدة طويلة قالت زهرة: ألم تجد أي موضوعا آخر لتسنده إلينا. لا أصدق أنها تتوقع منا أن نجد شيئا ذا قيمة مضافه من خلال البحث عنه في الإنترنت...
ثم تمتمت: حقا تثير أعصابي أحيانا بروفيسورة حنان.
سمر: ومتى كانت تسند إلينا البحث عن شيء مألوف، هي والغير مألوف وجهان لنفس العملة.
زهرة: صدقتي صديقتي،صدقتي. ثم بعد لحظات من التفكير أكملت: ولكن ماذا لو بحثنا في المكتبة السرية..
سمر: المكتبة الماذا؟
زهرة: لا عليك، فقط اتبعيني. نهضت زهرة بسرعة وشقت طريقها إلى الخارج مشيرة إلى سمر بإتباعها.
                                      ................................................
قبل أن ينزلا الدرج قالت سمر، وهي في وضع من التردد الظاهر: ربما ليس من الآمن أن ندخل منطقة محصنة كهذه.
زهرة: سمر إنها مكتبة في بيت جدي، لا منطقة ألغام في الحرب.
سمربامتعاض: آخ، كما شئتي ولكن إن اكتشف جدي أننا هنا، فسوف ألقي اللوم كليا عليك.
زهرة: حسنا، لنذهب الآن.
بعد لحظات، كانت سمر فيها في فقاعة من الدهشة والإنبهار. حمحمت زهرة قليلا: سمر، نحن هنا في مهمة، لما لا تبدأي انتي في البحث من بداية الرفوف في آخر أطراف المكتبة من النهاية وأنا في النهاية الأخرى؟
قطبت سمر جبينها: لماذا يجب أن تصدر الأوامر منك أنت دوما؟
زهرة ردت بعد غمضة من عينيها : إن كان الأمر سيجعلك تهبين راحلة كما قلت لك...يمكنك أن تأمريني كما تشاءين المرة القادمة.
سمر بدا أنها وضعت ذلك في الحسبان للمرة القادمة: حسنا لنبدأ.
وهكذا بعد ساعتان على الأقل، رجعت الفتاتان بعدد من الكتب لها علاقة بموضوع بحث الأحياء.
زهرة: أكره أنه علينا قراءة معظم محتوى هذه الكتب قبل أن نستخلص منها شيئا.
سمر وهي تقسم الكتب بينها وزهرة: صحيح، لكن لماذا لا نؤجل القراءة للغد. أريد أن ألقي نظرة على باقي المكتبة.
زهرة تقلب الإقتراح في ذهنها، لو كان التأجيل لسبب آخر فغالبا ما كانت سترفض وتصر على ان يكملا العمل مباشرة، لكنها هي أيضا تريد رؤية ما تخبأه هذه المكتبة السرية: حسنا، ولكن غدا يجب أن نباشر في كتابة المسودة الأولى.
سمر بشيء من الحماسة المفرطه: هههها نعم نعم.
ثم أخذت بالمشي بين الأروقة هنا وهناك. زهرة فعلت نفس الشيء بعدها.
أخذت زهرة تطالع الكتب عشواءيا بين الرفوف. هي لا تخدع نفسها عندما تعترف بأن معظم الكتب هنا غريبة بالنسبة لها. ربما تشترك معظمها في خاصية وحيدة: جميعها قديمة.
بعد عدد من المطالعات السؤيعة استقرت يداها على كتاب استرعى مظهره الرث انتباهها. بدأت في تقليب صفحاته، حينها سقط شيء منه في الأرض. أوراق، أدركت بعد أن التقطتها من الأرض، لكنها ليست من الكتاب، تبدو كرسائل من نوع ما، أو مذكرات قديمة. يبدو أنها خطت قديما.
فجأة عادت سمر إليها من الخلف لتقطع حبل تفكيرها المشدود: ماذااا تفعلين؟
زهرة وقد انتبهت لوجود رفيقتها: ها؟ لا شيء لنذهب من هنا الآن.
سمر: أوافق، لقد تعبت قليلا.
............................................
في المطبخ، زهرة قدمت لسمر كوبا من الشاي وبعض الكعك، ثم استقرت هي في مقعد مقابل لها في طاولة الطعام، لتحتسي كوبها من الشاي أيضا.
بعد رشفة، زهرة: لماذا تعتقدي أنها سرية، المكتبة أقصد؟
سممر: ربما ليست كذلك، ربما يتراءى لنا ذلك وجدي لم يعتقد بأهمية إخبارنا عن وجودها.
زهرة: ولكن...لماذا يكون المدخل الوحيد إليها مخفيا كما رأيناه إن كان الأمر كذلك؟
سمر: ربما لم يرد جدي أن يتطفل إلى هناك الغرباء أو أية ضيوف مزعجين.
"أو نحن" أضافت زهرة.
سمر فقط هزت رأسها: لا أدري.

............................................