الأربعاء، 2 فبراير 2011

الكل يدعو لك يا .... مصر

مما شد إنتباهي على صفحة الفيسبوك الخاصة بي موضوع في إحدى المجموعات بشأن الواقع المرير في مصر أقول المرير مع أني لا أصف موقف أولائك الشباب العاقل الواعي المحب لبلده بصدق إلا بأعلى درجات الوطنية فكل الشعب يهتف لمصر ولكن قلت مريرا بعد قراؤتي لتجربة المخرج عمرو سلامة مع الأمن والضباط المصريين :::

أنا حاسس إن واجب عليا دلوقتي حالا إني أنقل كل اللي حصلي في مظاهرات يوم الغضب التاريخي، منعا للمغالطات و منعا إن الناس يوصلها معنى و درس مستفاد خاطىء من اللي حصلي أو حصل لغيري.



و واجب على أي حد إتعرض للعنف أو للإهانة أو للتعذيب أ للإعتقال إنه يقول قصته بشفافية للناس عشان يعرفوا تجربته و اللي إستفاده منها.




مش عشان يفضح إنتهاكات جهاز الشرطة بس، بالعكس عشان كمان يقول لو كان فيه قصص و معاني إيجابية حصلت و يدي أمل للناس و يعرفهم إن في معنى ورا اللي حصله و بيحصل لمصر دلوقتي.




أنا هحكي القصة بإختصار للي مايعرفهاش.




إحنا كنا متظاهرين أمام دار الحكمة في شارع القصر العيني، و كان في كردون من العساكر و الظباط محاوطنا، و كان نفسنا نروح للناس الثانية اللي واقفين في ميدان التحرير.




على الساعة إثنين أو ثلاثة العصر قررنا إننا نحاول نروحلهم بأي شكل و اللي يحصل يحصل.




بدافع الإندفاع كنت من أوائل الناس اللي بيزقوا العساكر و فعلا إخترفنا العساكر و جرينا في إتجاه التحرير و مجلس الشعب.




و كان الشارع فاضي تماما، و في الأفق شفت بشر كثير، كنت فاكرهم متظاهرين لحد ما خدت بالي إن كلهم لابسين إسود و جايين نحيتنا و معاهم عصيان سودا، و إفتكرت مشاهد أفلام الحروب زي بريف هارت و جلادياتور، و عرفت إحساس الحروب القديمة، و لقيت نفسي بجري عليهم في طليعة الناس، و لقيت ناس بتحاول تهرب منا إحنا في الشوارع الجانبية بس واضح إنهم حاصروهم فرجعوا ثاني، لحظة من البلبلة ثم الإنقضاض منهم علينا.




و كان معايا الآي فون بتاعي العزيز بحاول أصور كل ده.




إلى أن إجتمع حولي عدد لا بئس به من العساكر، و عملوا حواليا دايرة و بدأوا الضرب بعصيانهم على دماغي و وشي و بطني و رجليا.




و دخل قائدهم الظابط المحترم المغوار اللي مش هنسى وشه ليوم الدين و بدأ يضربني بالبونيات على وشي بشكل لم أكن أتخيل أن جسم البني آدم ممكن أن يتحمله، و خد الآي فون العزيز الله يرحمه و داسه على الأرض و قعد يتنطط عليه ثم فاق لنفسه و قالهم "سيبوه، بطلوا ضرب" قلت الحمد لله ضميره صحي، فأكمل "عشان الكاميرات" و خدني و دخل بيا شارع جانبي و لقينا في سكتنا شاب ملقي على الأرض و دماغه نازل منها كمية مرعبة من الدم، و قال باللفظ "أهه واحد إبن….. مات أهه، و الله لموتك زيه يا إبن….." ثم دخل مدخل عمارة، و دخل العساكر اللطاف معاه و قفل عليا باب العمارة و بلغة الحواري "قصني" و جابني أرضا و بدأ بالضرب بشكل مبرح.




شلاليت في وشي، و في بطني، و العساكر بالعصيان، و واحد منهم كسر حاجة خشب غريبة و جاب الخشبة و قعد يضربني بيها في كل حتة في جسمي، و كلام شبه "يا ولاد ال…. يا ….. ده إحنا في الشارع من بليل يلعن د….“ و أنا بقوله "ربنا يكون في عونكوا، إنت عارف بقى إنت واقف ليه و بتمنعنى ليه؟" فيستفز فيضربني أكثر "عامل فيها مثقف يا إبن…..“ و أنا أرد عليه "مش مثقف و لا نيله، أنا هنا عشانكوا، أنا مصري زيك" طبعا كلامي وسط الضرب كان أكيد مبهم، و هو وسط شتايموا كلامي كان في أهمية برنامج "طبق اليوم" بالنسبة له.




و بعد ما زهق، قالهم "عايزكم تموتوه زي الواد الثاني يا إما هرجع أموتكم إنتوا، و لو جاعنين كلوه" و مشي، و لمدة لا تقل عن عشر دقايق ضرب مبرح بجد و أنا مستغرب هو أنا إزاي لسة ما متش، و أهه بعد ستة و ثلاثين ساعة أقسم بالله حاسس بالوجع في كل سنتيميتر مكعب في جسمي.




الغريب إني وقتها و وسط الحدث وصلت لمرحلة إني فعلا مش حاسس تماما بالضرب، و إستشهدت، و بدأت خيالات تراودني، عن أهلي بعدها هيحسوا بإيه و عن فيلمي اللي ماكملتش مونتاجه، و عن الصفحة اللي هتتعملي على الفيس بوك، و يا ترا هنبقى "كلنا عمرو سلامة"؟ و الأهم تصريح وزارة الداخلية اللي هيطلعوه إني أكيد بلعت الآي فون بتاعي.




و قعدت ساعتها أصرخ للعساكر و أقول كلام أفلاطوني ثاني زي: "أنا هنا عشانكم، إنتم عارفين إنتم بتضربوني ليه؟ أنا معايا موبايل، و معايا فلوس، و معايا عربية، و مستريح، إحنا هنا عشانكوا، عشان إنتم تلاقوا تاكلوا و تأكلوا عيالكم"




و لسبب إلهى سمعوا كلامي، و لقيت واحد فيهم إتأثر فعلا و بعدهم عني، و جابلي كرسي، و قالي "أستاذ، هتعرف تمشي؟" بعد لحظة صمت قلتله "هحاول" قالي "طب إجري بسرعة قبل ما الظابط يرجع، لو رجع هيموتك" فحاولت أهرب بسرعة و لكن الظابط رجع، و إفتكرني بهرب طبعا، و هما عملوا كإنهم بيجيبوني، فخدت علقة تجعل العلقة الأولى فيلم كارتون إنتاج والت ديزني في الأربعينات.




و بعدها ركز مع صيد تاني كان جايبه من الغابة شوية، فجه ظابط ثاني سألني عن شغلي و إسمي و شاف بطاقتي و قالي "إجري بسرعة قبل ما يركز معاك ثاني".




جريت، و بعد شوية بدأت الآلام تظهر، و بعدها آلام الرأس و الدوخة و الزغللة، و بدأت عنيا تدمع بلا توقف، مش عياط، بس يمكن عشان أعصابي سابت تماما و فقد السيطرة و صوتي كان بتطلع كإنه طالع من بير.




وصلت لواحد صاحبي في وسط البلد، إستضفني في مكان عمله، و قعدت و جابلي حاجات أشربها.




و سابني شوية، و لقيت نفسي ببكي بحدة لم أبكيها منذ لا أتذكر متى.




لم أبكي من الألم، و لا حتى من الإهانة، و لا من الرعب، بس بكيت لسبب واحد، لسبب إني لقيت نفسي بدأت أكره مصر، و حسيت إن ظباطها اللي حامينها كرهوني فيها، و حكومتها اللي ظالمانا كرهتني فيها، و شعبها السلبي – كان سلبي – ماكنش معانا و كرهني فيها، و الفساد و القمع و إلخ إلخ، و إزاي ممكن أعمل في كائن بشري ثاني مقلب و أجيبه و أخلفه في البلد ديه، إزاي هقنعه يحبها و يحاربلها و ينتميلها!؟




و قلت طب ليه ماسبهاش لو جالي الفرصة، مش يمكن كما قال صديق عزيز فعلا "مستقبل مصر الوحيد في الهجرة لكندا"؟




بس بعد دقايق، رجع صوت العقل – هو مش أكيد صوت العقل بس هو صوت طول عمره موديني في داهية – و فكرت نفسي بمعتقاداتي اللي بكتب المقال ده عشان أشاركها معاكوا.




إفتكرت إن إنتمائى لمصر مش إجباري، ده إختيار مني، أنا إختارته لإن إحساسي بالإنتماء مفيد ليا مش مفيد لمصر، مفيد ليا إني أعرف أنا منين و فين، فين المكان اللي أنه منه، و هو بتاعي، اللي بيتي فيه، و سريري فيه، اللي بحس فيه إني وصلت خلاص مش مستني إمتى هروّح.




إفتكرت إني لازم أبقى إيجابي تجاه أي مكان إخترت أنتميله، و أتفائل مهما كان، إن المكان ده هيكون أحسن بسببي و بسبب اللي حوليا.




من غير إنتماء و أمل أنا فعلا أفضل إني أموت، و لو بقيت عايش بدون سبب له معنى هتحول لحيوان عايز ياكل و ينام و يتمتع بمتع لحظية عمرها ما هتغذي روحي، و ده إختيار نهائي مش محتاج أراجعه مع نفسي.




حتى لو شاف العالم إني رومانسي زيادة أو حالم أو رومانسي، في ستين ألف داهية، أنا هبقى مبسوط بأختياري ده حتى لو حصلي اللي حصلي.




و إكتشفت إن أهم حاجة في الدنيا إني عارف الكلام ده، إني عارف أنا ليه إتضربت، إني عارف أنا ليه نزلت، إني أبقى عارف إن بدون شعارات و مطالبات سياسية معصلجة الفهم أنا نزلت و إتضربت عشان عايز مصر أحسن، عايز مصر مافيهاش سلطة أبدية مطلقة لأي من حكامها، عايز مصر بفجوة إجتماعية أقل، الفقير حتى لو فضل فقير يكون له الحد الأدنى من الكرامة و الإحتياجات الإنسانية، عارف إن إبني لما أخلفه في يوم من الأيام يتعلم صح، يتعالج صح، يبقى عنده أي أمل و طموح مهما كان، حتى لو عايز يبقى رئيس جمهورية، عايز مصر الشرطة فيها بتحمي الشعب مش بتعمل فيه اللي إتعمل فيا و في غيري، في كل قسم و شارع، مش زي اللي إتعمل فالشهداء، خالد سعيد و سيد بلال، لو حد حاول ينهب حقه مايخفش يروح القسم و يبقى عارف إن حقه حيرجعله لإن الظابط عايز يرجعله حقه، و هيلاقي الظابط ده موجود في القسم، مش واقف في تشريفة من صباحية ربنا، و لا بيقمع معارضة و لا مهمته الوحيدة حماية نظام فشل يديه حقوقه أصلا من مرتب محترم و عيشة كريمة، و مخليه واقف في وش المدفع يتكره بداله.




عرفت لما إتضربت إني خايف أقل، إني عرفت أنا ليه هنزل ثاني و ثالث و رابع، عرفت إني لو مت هبقى شهيد و أكيد هبقى في مكان أحسن.




و عرفت إن اللي بيضربني مش عارف هو بيضربني ليه، حاسس إن أسبابه مش منطقية حتى لو سهر الليالي يمنطقها لنفسه، ده يمكن يكون متعاطف معايا، و خايف أكثر مني، من جزا أو عقاب أو تكديره.




و الأهم عرفت إن فيه أمل، أمل أشوف مصر مش زي تونس بس، أشوفها في يوم مكان أجمل من تخيلي مكان أتمنى أخلف فيه عيال عشان ينعموا فيه بحياة كريمة و يعمروه أكثر.




أنا لا أدعي بأي شكل البطولة، و شفت ناس إتضربوا أكثر مني بكثير، و ناس أعتقلت، و في ناس ماتت أحتسبهم شهداء، بس الناس ديه كلها لو إتكلمت معاهم، أغلبهم فخورين بنفسهم، خوفهم بقى أقل، تحديهم بقى أقوى، حاسين إنهم على حق، الناس ديه معظمها طلعت من معتقالاتها أقوى، حاسين إن الفرج جاي مهما إتأخر، و عارفين إنها مهما ضاقت و إستحكمت حلقاتها مسيرها تفرج.




أهم إكتشاف إني إكتشفت إن في أمثال مش مجرد أمثال و خلاص، و فعلا معناها حقيقي، زي "الضربة اللي ماتومتنيش هتقويني"


المخرج عمرو سلامة


منقول من : http://www.facebook.com/album.php?aid=321718&id=386178881762#!/photo.php?fbid=10150128868636763&set=a.10150128127276763.321718.386178881762

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق